الخميس اللي فات (٣٠\٥\٢٠١٣) حضرت حفل إحياء ذكرى الفنان المصري النوبي "
حمزة علاء الدين" في
بيت السناري بحي السيدة زينب في القاهرة، الحفل كان رائع وحضره عدد ممتاز من الناس والشخصيات المشاركة في الحفل، اليوم كان جميل فعلاً وعجبني جداً المجهود المبذول من بيت السناري وهو يعتبر مركز ثقافي تحت اشراف مكتبة الاسكندرية، وكمان المساهمين في تنظيم الحفل زي مجموعة فرسان النوبة "
Nubian Knights" وكل الناس اللي شاركت في تنظيم الحفل سواء من المؤسسات أو الأفراد.
الشيء المؤسف في الموضوع إن شخصية زي حمزة علاء الدين مش معروفة لأغلب المصريين (وأنا شخصياً مكنتش أعرفه غير في بداية السنة دي ٢٠١٣!) بالرغم من إنه يعتبر من الشخصيات العالمية وليه صيت ذائع بداية من أوروبا، لأمريكا وحتى لليابان! حمزة علاء الدين استطاع مزج بين العود الشرقي والفن النوبي اللي كان بيعتمد بشكل أساسي على آلتين فقط وهما الدف وطنبورة! ده غير موهبته الرائعة عشان كدا قدر يحقق نجاح كبير جداً في الغرب.
في الحقيقة المسألة مش متعلق بحمزة علاء الدين بس، المسألة متعلقة بقضية أكبر من كدا بكتير، أغلب الناس في مصر متعرفش حاجة عن النوبة والنوبيين، مش عارفين مشاكلهم ولا إيه اللي اتعرضوا ليه على مدار أكتر من قرن! يمكن أقصى ما يعرفه أغلي المصريين عن النوبيين إنهم أشخاص ذو بشرة سمراء عايشين في جنوب مصر وإن لغتهم (اللغة النوبية) استخدمت كشفرة في حرب أكتوبر ١٩٧٣ واللي كانت فكرة عبقرية بحق ... ويعني المثقف شوية تلاقيه عارف بعض المعلومات العامة عن فنونهم وعاداتهم وتقاليدهم وشكراً على كدا.
الشيء اللافت إن النوبيين أو ذوي البشرة السمراء عموماً في مصر محبوبين وديماً يرمز ليهم بالطيبة والأخلاق الحميدة، لكن للأسف ده مش مفيد للقضية النوبية ومش مستغل من ناحية النوبيين نفسهم! أتذكر إني قريت عن النوبة وأنا في عمر صغير (إعدادي تقريباً) من باب المعلومات العامة ولحبي للجنوبيين، وقريت عنها في لما كنت في الكلية كذا مؤلف من مؤلفات "
معهد البحوث والدراسات الأفريقية" الموجود في جامعة القاهرة، والعديد من مؤلفات أساتذة ودكاترة كلية الآداب (قسمي التاريخ والجغرافيا غالباً) في جامعة القاهرة بخصوص المسائل المتعلقة بأفريقيا والدول الأفريقية.
في أغلب الأحيان الأحاديث المتداولة حول النوبة بتكون بتدور حول المشاكل القائمة هناك ومشاكل النوبيين بشكل عام، ويظهر من وقت للتاني كلام عن إنهم بيدعوا للانفصال عن مصر والتلميح إلى إنهم مش مصريين ومش عارف إيه كدا، وفي الأغلب الأعم إن أصلا محدش بيجيب سيرتهم ولا كأنهم موجودين أصلاً أو كأنهم معندهمش أي مشاكل والحياة جميلة معاهم!
قبل استكمال الكلام عن الموضوع ده، خليني بس أشير إلى نقطتين مؤسفتين جداً في نظري، الأولى إن شيء مؤسف جداً عدم معرفة كتير من الشعب المصري بمشاكل فئات المجتمع المصري وعلى وجه الخصوص الشباب اللي المفروض إنه يعتبر اللبنة الأساسية للمثقفين، النقطة التانية يكون ارتباط المطالبة بالحقوق بمدى شعبية فئة ما، يعني على سبيل المثال الناس اللي بتعرف مشاكل النوبيين بيكون عندهم تعاطف أكبر بكتير من لما يعرفوا مشاكل مجموعات تانية زي الأمازيغ في الواحات غرب مصر، أو البدو في سيناء وغيرهم، لإن زي ما قولت سابقاً النوبيين محبوبين لإنهم ذو طابع مسالم وأخلاق طيبة وكمان عشان اندمجوا في جموع المصريين (ويمكن ده يكون من أهم الأسباب)، على عكس مثلاً البدو في سيناء المعروف عنهم شراسة طبعهم ودمهم الحامي! (وبعيداً يعني عن نظرية أهل الوديان وأهل الصحارى والكلام اللي أنا مش مقتنع بيه ده).
طيب نرجع تاني لموضوع النوبة والنوبيين، إيه المشكلة بقى؟ المشكلة إن كان في قيود كتيرة قبل الثورة بخصوص مسألة النوبة والتوعية بيها، لكن مش منطقي يتم التعامل مع الأمر (وعن طريق النوبيين نفسهم!) بنفس الأسلوب القديم! المشكلة إن مفيش توعية كافية بخصوص مشاكل النوبة والنوبيين، مفيش تقدير للتضحيات اللي قدمها النوبيين لكل فرد في مصر! (بالرغم إنهم مش محتاجين لتقديم أي تضحيات للحصول على حقوقهم!) مفيش معرفة أو تقدير إن النوبيين ببساطة هما مصريين دفعوا التمن المباشر لأمن مصر المائي، بيوتهم غرقت، أراضيهم غرقت، قراهم وتراثهم الممتد لآلاف السنين غمرته مياه النيل بسبب خزان أسوان والسد العالي.
في الحقيقة مش دي المشكلة تماماً، المشكلة الحقيقية في رأيي إن مفيش حد أصلاً بيساعد في تحقيق الوعي ده! ولا الحصول على المساندة المجتمعية! حتى النوبيين نفسهم!
أنا عارف تماماً إن مصر حالياً مش في أفضل حالاتها، وعندنا مشاكل وتحديات كتير بتأثر على كل المصريين بما فيهم النوبيين سواء مشاكل اقتصادية أو إدارية أو سياسية، لكن ديماً النقطة الأولى في حل أي مشكلة هي الاعتراف بيها وتحديد العناصر الأساسية لحلها حتى لو مفيش إمكانية إنها تتحل لحظياً، خليني أكتب بعض النقاط عن المسألة دي من وجهة شخص قاهري أو من سكان العاصمة! خلينا نكمل الموضوع في جزء التاني :-)